کد مطلب:332540 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:432

ما قدمه السعودیون فی الحرب الفلسطینیة
لكی نعرف ما قدمه السعودیون فی الحرب الفلسطینیة یكفی أن نأخذ هذه

الفقرة من مذكرات القائد طه الهاشمی [1] الذی كان رئیسا للجنة العسكریة المنبثقة سنة 1947 - 1948) عن جامعة الدول العربیة للإشراف علی حرب فلسطین. وقد نشر هذه المذكرات فی جریدة " الحارس " البغدادیة، قال الهاشمی: " إن الحكومة السعودیة أبرقت للجنة العسكریة عن أسلحة معدة لإنجاد فلسطین موجودة فی (سكاكة) بالصحراء السعودیة، فأرسلت الحكومة السوریة طیارات عسكریة فأحضرت تلك الأسلحة لدمشق، وسلمتها إلی المصنع الحربی التابع للجیش السوری لفرزها وثبوتها، فإذا هی أسلحة عتیقة متعددة الأنواع، والأشكال، فیها الموزر والشنیدر، والمارتینی الخ، وفیها بنادق فرنسیة، وإنكلیزیة، وعثمانیة،



[ صفحه 58]



ومصریة ویونانیة، ونمساویة وكلها بدون جبخانة وكلها مصدئة (خردة) لا تصلح لقتال... ". ثم قال الهاشمی: " إنهم وجدوا بین هذه الحداید بنادق مما تعبأ بالكحل من فوهتها وتدك من الفوهة أیضا، وأنها من مخلفات حملة الجیش المصری علی الوهابین فی أوائل القرن التاسع عشر... (انتهی) ". ولیس هذا فقط فإن رؤساء الوفود العربیة فی هیئة الأمم المتحدة أرسلوا عشیة الموافقة علی قرار تقسیم فلسطین عام 1948) برقیة إلی الملك السعودی یلحون علیه بإصدار تصریح - مجرد تصریح - یهدد فیه بقطع البترول إذا صوتت أمریكا علی التقسیم واعترفت بإسرائیل. فماذا كان رد الملك؟ كان أن أعطی تصریحا معاكسا قال فیه: " إن المصالح الأمریكیة فی السعودیة محمیة، وأن الأمریكیین هم من " أهل الذمة "، وإن حمایتهم، وحمایة مصالحهم واجب منصوص علیه فی القرآن الكریم! ". وهكذا تم تقسیم فلسطین، وإقامة إسرائیل، واعتراف أمریكا بالدولة المغتصبة بعد إعلان قیامها بدقیقة واحدة! [2] .



[ صفحه 59]



خدمات آل سعود للیهود [3] .

یقول جون فیلبی: (لقد أصبحت مهمتی المكلف بها من المخابرات الانكلیزیة بعد مقتل الكابتن شكسبیر، قائد الجیش السعودی، هی: الدعم والتمویل والتنظیم والتخطیط لإنجاح عبد العزیز آل سعود فی مهمته [4] ... كما یفضح جون فیلبی دعم الیهود لآل سعود، واتصال " بن غوریون " مع عبد العزیز آل سعود. قال جون فیلبی: إنه (بعد مصرع قائد جیش عبد العزیز آل سعود الكابتن شكسبیر علی أیدی قوات ابن الرشید فی نجد، وصلت رسالة من رئاسة المخابرات الانكلیزیة فی لندن تؤید وجهة نظر السید برسی كوكس - حینما كنت سكرتیرا له فی العراق - وتحثه الرسالة بدعم عبد العزیز آل سعود وتعیین جون فیلبی خلفا للكابتن شكسبیر وتسلیمه كامل



[ صفحه 60]



المسؤولیة للعمل بكل وسیلة تمكنه من دحر خصوم ابن السعود.. وكانت الرسالة تلك بدایة لترك عملی كسكرتیر لرئیس مكتب المخابرات فی الجزیرة والخلیج السیر برسی زكریا كوكس لأتفرغ إلی مهمة أهم من عبد العزیز آل سعود، وإعادة تنظیم جیشه وتمویله، وإیجاد میزانیة خاصة له وتسلیحه بالذخیرة والسلاح، وإحیاء الأفكار الوهابیة، والقیام بإیجاد عملاء لنا مهمتهم تزویدنا بمعلومات عن خصوم ابن السعود الأقویاء، مع بث أفكارنا بینهم، وبث الإشاعات المرجفة فی هذه المدن والقبائل والقری المعادیة، وركزنا علی كسب العدید من الوجهاء ورجال الدین فی البلاد، كما استطعنا أن نخلق وجهاء جدد فی المناطق التی لم یرض وجهاؤها السابقون السیر معنا، وسارت الأمور بقیادتی علی أحسن مما أراده قادتی فی لندن والخلیج، الشئ الذی نلت علیه منهم الثناء - كما ذكرت فی مكان آخر وبعد سقوط حكم ابن الرشید فی حائل وسقوط عرش الحسین ابن علی فی الحجاز أنشأنا إمارة شرق الأردن ونقلنا إلیها الأمیر عبد الله بن الحسین، وكلف الانكلیز أشخاصا غیری لمراقبة وتوجیه عبد الله وتنظیم الإمارة الجدیدة، إلا أن هؤلاء الأشخاص ما استطاعوا ترویض الأمیر عبد الله الذی ظن أن هذه القطعة الجدیدة من الأرض التی منحت له ما هی إلا " ملكه الخاص وعرشه البدیل للعرش الضائع " فی الحجاز وأنه بإمكانه التصرف بمزاجه بعیدا عن خطنا المرسوم وأن بإمكانه أن یجعل من الأردن منطلق هجوم ضد ابن السعود لاستعادة العرش الهاشمی الذی منحه الانكلیز لعبد العزیز، وكذلك ظن أن بإمكانه استعادة عرش سوریا الذی منحه الانكلیز لأخیه فیصل ثم تنازل عنه الانكلیز للفرنسیین، ثم عمل الانكلیز جهدهم أخیرا



[ صفحه 61]



لتخلیص سوریا من الفرنسیین!.. ومن أجل ذلك رأی قادتی أنه لا مناص من ذهابی إلی الأردن فی مهمة ترویضیة.. وكانت أول جملة كلفنی السیر برسی كوكس بنقلها للأمیر عبد الله هی " أن یقبل عبد الله بما قسم الله له، وأن لا یجعل من عشه الجدید ثكنة حربیة ضد عبد العزیز آل سعود بحجة العمل لاستعادة العرش الهاشمی الملغی ذكره ووجوده فی الحجاز وإلی الأبد "، وأیضا یجب أن أفهم عبد الله ألا یحرك ساكنا ضد فرنسا فی سوریا ولبنان، وأن یسلم الثوار السوریین للسلطات الفرنسیة فی دمشق، وأن یتعاون مع الوجود البریطانی والیهودی فی فلسطین، وأن یسلم لابن السعود الحجازیین والنجدیین والشمامرة الذین هربوا معه أو لجأوا إلیه فأخذ یعدهم فی الأردن لمضایقة ابن السعود.. هذه هی أسس المهام التی كلفت من قیادتی بترویض الأمیر عبد الله علیها)!.. ویتابع جون فیلبی سرد الذكریات قائلا: (وبعد شهرین من وصولی إلی الأردن قمت بجولة فی أنحاء فلسطین وكانت الثورة الفلسطینیة فی بدایتها ویعیش الانكلیز فی قلق منها، فحاول بعضهم توسیط الأمیر عبد الله لدی الثوار الفلسطینین بإیقاف الثورة، فحبذت الفكرة لعلمی أن عبد الله سیفشل فی وساطته لعدم نفوذ الأمیر عبد الله بین الفلسطینین، وبالتالی سیكون الجو مهیئا لصدیقنا العزیز عبد العزیز فتنجح وساطته فترتفع أسهمه لدی الانكلیز أكثر فأكثر، وهذا ما تم فعلا، وما اقترحته بعد فشل عبد الله فی الوساطة، إذ اقترحت توسیط عبد العزیز آل سعود، وهكذا نجح عبد العزیز بما فشل فیه عبد الله عام (1936 م)، بل إنه بمجرد أن عرض عبد العزیز آل سعود وساطته لدی وجهاء فلسطین قبلوا وساطته بإیقاف الثورة ضد الإنكلیز، واثقین مما تعهد لهم عبد العزیز به وأقسم لهم علیه قائلا: " إن أصدقاءنا الانكلیز تعهدوا لی علی حل قضیة فلسطین لصالح الفلسطینیین، وإننی أتحمل



[ صفحه 62]



مسؤولیة هذا العهد والوعد " وقد نقل لهم هذه الرسالة ابنه فیصل ثم أحلق به ابنه الثانی سعود.. وكان النجاح وساطة عبد العزیز آل سعود صداها القوی لدی الإنكلیز والیهود، وكانت المنعطف الأكبر فی تاریخ فلسطین، وعزز ذلك النجاح الباهر كافة آرائی بعبد العزیز أمام رؤسائی بل وحتی أمام خصومی فی " المكتب العربی بالقاهرة " الذین ما زال بعضهم یؤید الهاشمیین ویعتبرهم أصلح لنا من آل سعود.. وأثناء رحلتی تلك إلی فلسطین عرجت إلی تل أبیب وقابلنی الزعیم الیهودی دیفید بن غوریون وكان فرحا لنجاح الوساطة السعودیة التی أوقفت الثورة الفلسطینیة، إلا أنه أبدی قلقه من سبب ابتعادی عن عبد العزیز آل سعود وقال: إن وجودك " یا حاج عبد الله " مهم بالقرب من عبد العزیز هذه الأیام، فقلت لابن غوریون: " إننا لم نعد نخشی علی عبد العزیز آل سعود، فلدیه من الحصانة ما یكفی لتطعیمی وتطعیمك!.. كما قد حصناه سابقا بعدد من المستشارین العرب، بالإضافة إلی أن هناك من یقوم الآن بدوری لدیه، مع أننی لم أبتعد هذه الأیام عنه لغیر صالحه فی ترویض خصومه فی شرق الأردن ". هنالك ظهرت علی وجه بن غوریون علامة الارتیاح، وتشعب الحدیث مع بن غوریون فی أمور هامة تتعلق فی الشؤون العربیة ومستقبل الیهود، وأخبرت بن غوریون أن أمیر شرق الأردن عبد الله بن الحسین كان فی منتهی الشراسة بعد أن أخرجناه من الحجاز، وكان یكن الحقد حینا ویظهره أحیانا لبریطانیا علی فعلتها بتسلیم عرشه لعبد العزیز آل سعود، ومن أجل ذلك أخذ یتبنی العدید من الرجال المعارضین لعبد العزیز والمعارضین للفرنسیین والانكلیز والیهود علی حد سواء، وهو ما زال یكره ابن السعود ویجعل من الأردن مكان تجمع لخصوم ابن السعود معدا إیاهم للعودة بهم فی حرب خاطفة یعید بها ما فقدوه فی الحجاز وحائل ونجد



[ صفحه 63]



وعسیر، فقال بن غوریون: " نحن ندرك هذا تماما ونقدر جهودك، والذین اختاروك لا شك یدركون ما لدیك من مقدرة فائقة علی ترویض الأمراء العرب ". قلت لابن غوریون: " قبل أیام أخرجت جیش الإخوان المسلمین السعودیین لتأدیب الأمیر عبد الله فهددوا كیانه، فاستنجد بی لإنقاذه منهم مبدیا الكثیر من التودد والطاعة لبریطانیا، وبذلك أوعزنا لعبد العزیز آل سعود بإیقاف جیش الإخوان عند حدهم قبل أن یدخلوا الأردن وینزلوا فیها الدمار.. إلا أن عبد العزیز لاقی صعوبة فی صد هذا الجند البدوی الشرس صعب الترویض والمراس فاضطررت إلی إعطاء الأمر للطائرات الحربیة البریطانیة المرابطة فی الأردن لتأدیبهم، ولو لم توقع الطائرات بهم بعض الخسائر لما تراجعوا وما سمعوا كلمة شیخهم عبد العزیز آل سعود!.. لكنه رغم ما أصاب عبد الله من هلع كان ما زال شرس الطباع ضد بریطانیا، مما جعلنی أوحی إلی قبیلة ابن عدوان فی الأردن بالخروج لضرب عبد الله وتطویق قصر الشونة لإرهابه كنوع من أنواع الترویض، وحینها استنجد عبد الله بی مرة أخری قائلا: إننی أعرف أن كل هذه الأعمال ما حدثت إلا بعد مجیئك یا حاج فیلبی بغیة ثنی إرادتی عن مقاومة حبیبكم عبد العزیز آل سعود.. إننی أعدك بإبعاد هذه الفكرة نهائیا، لكننی أرجو إعفائی من مسألة إبعاد الذین لجأوا معی من الحجاز ونجد هربا من وحشیة صاحبكم وجنوده التی أنت أعرف الناس بها. وما مجزرة تربة والخرمة والطائف ببعیدة عن ذاكرتك.. فقلت لعبد الله: إننی أعدك ببذل كل مجهود لحمایتك بعد أن اتضح لنا أنك لا تنوی بابن السعود شرا أما اللاجئین فرأیی بهم كما تراه أنت، هو ألا نسلمهم لابن السعود علی ألا یقوم أی أحد منهم بنشاط ضده.. فقال عبد الله: اتفقنا یا حاج فیلبی!.. وهكذا تخلی عبد الله عن أفكاره الوطنیة والقومیة فی غزو



[ صفحه 64]



الحجاز أو إثارة أی نوع من الشغب ضد ابن السعود بعد أن جمع لهذه الفكرة كل مخلفات جیشه وجیش والده الهارب من الحجاز، جاعلا من الأردن " أرض میعاده الجدیدة " لإخراج السعودیین من الحاجز ونجد).. وأردف جون فیلبی قوله: (وبذلك اطمأن بن غوریون وابتسم معبرا عن غبطته باستقرار الأمور لصالح ابن السعود وبما توصلت إلیه من ترویض للأمیر عبد الله بن الحسین، وقال بن غوریون وابتسامة الرضی بادیة علی وجهه من حدیثی: " إذن أنت ما زلت أیها العظیم علی علاقة حسنة بالرجل العظیم " قلت لابن غوریون: " من تقصد بالرجل العظیم "؟.. فقال بن غوریون: " وهل هناك مقصود فی المنطقة العربیة خلاف ابن العم عبد العزیز بن سعود ".. قال بن غوریون كلمة " ابن العم " وهو مدرك تمام معرفتی بتسلسل النسب السعودی المنحدر من قبیلة بنی القینقاع الیهودیة، ثم أخذ بن غوریون یعدد لی زعماء وملوك وقادة الیهود الذین دخلوا الدینین المسیحی والإسلامی وغیرهما من الأدیان لخدمة الهدف الیهودی والذین حكموا العالم عملا بتحقیق الغایة الكبری لبنی إسرائیل فأورد أسماء كثیرة. واختتم بن غوریون حدیثه عن ملوك وقادة بنی إسرائیل عبر التاریخ مفاخرا بقوله: " وهكذا تری یا شیخ عبد الله كیف كانوا ملوكنا وقادتنا عبر التاریخ صناع حضارة وتاریخ ومجد عن عهد سلیمان وداوود إلی عهد ابن السعود ").. ویتابع جون فیلبی اعترافاته فیقول: (ولما عدنا إلی الحدیث عن الأمیر " الحجازی الأردنی " عبد الله الذی نقلناه من الحجاز لإقامة جبریة ینشئ خلالها دولة جدیدة فی صحراء الأردن السوریة أید بن غوریون إقامة مثل هذه الدولة علی أن تكون مملكة فیما بعد. كما أید إقامة مملكة ابن السعود قائلا: إن جذور الملكیة هی التی تضرب فی



[ صفحه 65]



الأرض أكثر من سواها. وقال: " إننا بإقامة هاتین المملكتین ستطمئن قلوبنا لوجود سیاجین حامیین لدولة إسرائیل المزمع قیامها فی الوقت المناسب لولادتها ولادة لا تشویه فیها، وهذا لا یتم بالطبع إلا بإقامة التحصینات حولها باسم العرب الذین نثق بهم ". وعدت أداعب بن غوریون قائلا: " أنت قد عددت لی الكثیر من الملوك والقادة الیهود الذین حكموا العالم لكنك لم تتطرق لنسب ملوك بنی هاشم وهل هم من الیهود أم لا؟!.. " فقال بن غوریون وهو یبتسم: " حتی وإن كانوا من الیهود فإننی لا أحبذ أن ینتسب إلینا أی مهزوم، أما نسبنا مع ابن السعود فهو ثابت أكثر من سواه ".. وفی نهایة اللقاء طلبت بن غوریون مرافقتی للأردن لمقابلة الأمیر عبد الله، ویومها رافقنی وأعددت له المقابلة فی مسكنی - مقر المندوب السامی رغم تردد الأمیر عبد الله فی المقابلة التی قبلها من باب الستدرار عطفی طالبا أن یكون المكان خالیا من سوانا نحن الثلاثة، وفی اللقاء تبادر عبد الله وبن غوریون كلمات الود والتعاطف والمجاملات، وقطع الأمیر عبد الله وعده لبن غوریون فی تلك المقابلة " بتأیید القضیة الیهودیة العادلة ".. وبعد الاجتماع حملنی بن غوریون رسالة خطیة لعبد العزیز آل سعود لأسلمها له شخصیا حینما ألتقی به فی اللقاء المرتقب، وحینما جئت لأودع الأمیر عبد الله متجها إلی الحجاز متمنیا من سموه تكلیفی بأیة خدمة یرید منی تأدیتها لسموه فی الحجاز، ابتسم عبد الله وهو یودعنی ویقول: " إن الخدمة التی أود تأدیتها لی هی أن تخلص لی من صمیم قلبك بل تمنحنی ولو بعض إخلاصك لابن السعود " وسألنی عبد الله قائلا: " هل لی بمعرفة شئ من مهمتك فی الحجاز الآن؟ " قلت: " إنها یا سمو الأمیر " مهمة حج لقضاء حاجة " كما یقول المثل النجدی ".. والحقیقة أننی تعودت قضاء فریضة الحج فی مكة مع عبد العزیز كلما سنحت لی الفرصة



[ صفحه 66]



لأكون معه قریبا من الله!.. وسافرت من الأردن إلی مكة وهناك قابلت الصدیق الصدوق عبد العزیز آل سعود المتلهف لأخباری، وما أن قابلته فی مجلسه الواسع وسألنی عن " العلوم " أی الأخبار حتی أفهمته بإشارة یفهمها منی تمام الفهم وتعنی " أن فض هؤلاء الناس الموجودین فی المجلس " ففضهم، ولم یبق سوانا نحن الاثنین عبد الله فیلبی، وعبد العزیز - فطمأنته من أننی صفیت الوضع فی الأردن لصالحه وصالح بریطانیا، ثم قرأت علیه رسالة بن غوریون التی جاء فیها قول بن غوریون لعبد العزیز " یا صاحب الجلالة.. یا أخی بالله والوطن " وكانت لكلمة " یا صاحب الجلالة " رنة فی أذن عبد العزیز فهی أول كلمة یسمعها عبد العزیز بعد تولیه العرش، إذ لم یتعود من عرب نجد سماعها أو دعوته إلا باسمه المجرد (یا عبد العزیز) أو (یا طویل العمر) علی أكثر تقدیر.. وعندها استوقفنی عبد العزیز عن تلاوتی لرسالة بن غوریون متسائلا یقول: " لماذا یدعونی - بن غوریون - صاحب الجلالة وأخوه بالله والوطن؟! " فقلت لعبد العزیز: إن جمیع أهل أوربا لا یلقبون ملوكهم إلا بأصحاب الجلالة لأنهم ظل الله فی الأرض!..، أما قول بن غوریون عن " أخوتك بالله والوطن "، " فكلنا إخوة له بالله والوطن وأنت أعرف بذلك!! ".. فقال: (ألآن فهمت.. أتمم رسالتك یا حاج " فتلوت الرسالة التی جاء قول بن غوریون: " إن مبلغ العشرین ألف جنیه استرلینی ما هو إلا إعانة منا لدعمك فیما تحتاج إلیه فی تصریف شؤون ملكك الجدید فی هذه المملكة الشاسعة المباركة، وإنی أحب أن أؤكد لك أنه لیس فی هذا المبلغ ذرة من الحرام فكله من تبرعات یهود بریطانیا وأوربا الذین قد دعموك لدی الحكومة البریطانیة فی السابق ضد ابن الرشید وكافة خصومك، وجعلوا بریطانیا تضحی بصدیقها السابق حسین لأجلك لكونه رفض حتی إعطاء قطعة



[ صفحه 67]



من فلسطین للیهود الذین شردوا فی العالم ").. ویتابع فیلبی قوله: " لقد استوقفنی عبد العزیز مرارا متسائلا عن الكثیر من جمل تلك الرسالة، من ذلك أنه سألنی عن مبلغ ال‍ (20) ألف جنیه استرلینی قائلا: " وهل ینوی بن غوریون تهدیدی بهذا المبلغ الذی بعثه لی بواسطتك؟ وهل عرفت حكومة بریطانیا العظمی بهذا المبلغ؟ وهل استلامی للمبلغ من بن غوریون لا یغضب حكومة بریطانیا فتقطع عنی المرتب الشهری والعون؟.. " قلت: " أبدا.. إن الیهود فی بریطانیا هم حكام بریطانیا بالفعل، إنهم الحكم والسلطة والصحافة والمخابرات البریطانیة، إن لهم مراكز النفوذ الأقوی فی بریطانیا، وكانوا وراء دعمك وعونك، ووراء الاستمرار فی صرف مرتبك حتی الآن عن طریق المكتب الهندی.. كما كانوا فی السابق وراء قطع هذا المرتب لاختبارك هل سترفض أو لا ترفض التوقیع بإعطاء فلسطین للیهود ".. قال عبد العزیز: " وهل اطلع أحد علی رسالة بن غوریون هذه "؟ فأجبته: " لم یطلع علیها سوی أربعة "!!. فبدا علی وجه عبد العزیز الامتعاض الشدید أثناء تساؤله بلهفة عن معرفة هؤلاء الأربعة الذین اطلعوا علی الرسالة!: " من هم الأربعة؟؟.. من هم الأربعة یا حاج فیلبی؟.. أنا لا أخشی غضب أحد إلا غضب الله وبریطانیا! " قلت لعبد العزیز إن هؤلاء الأربعة هم: " الله وأنا وبن غوریون وعبد العزیز " فضحك عبد العزیز لهذا وهو یقول: " الله الأول عالم بكل شئ. أما الثلاثة الباقون فقد ضحكوا علی الله - لكننی أسألك عن - عبید الله - وعلی الأخص - عبد الله - الذی فی الأردن - هل أخبره بن غوریون بشئ حینما التقی معه؟ " ویقصد بذلك أمیر الأردن عبد الله - الملك عبد الله فیما بعد -.. قلت: " لم یعرف عبد الله أی شئ. وأنت تعلم أننا لو أردنا اطلاعه علی الأسرار التی بیننا وبینك لما



[ صفحه 68]



منحناك عرشی الحجاز ومنحناه غور الأردن ".. وانتهی اللقاء بتحمیلی وصیة شفهیة من عبد العزیز لبن غوریون یقول فیها: " قل للأخ بن غوریون إننا لن ننسی فضل أمنا وأبونا بریطانیا، كما لم ننس فضل أبناء عمنا الیهود فی دعمنا وفی مقدمتهم السیر برسی كوكس، وندعو الله أن یلحقنا أقصی ما نریده، ونعمل من أجله لتمكین هؤلاء الیهود المساكین المشردین فی أنحاء العالم لتحقیق ما یریدون فی مستقر لهم یكفیهم هذا العناء "!. ورجعت من " الحج قاضیا حاجتی ".. وفی الأردن أخبرت الأمیر عبد الله " أن عبد العزیز بن سعود یسلم علی سموكم وأننا سوف نجری مصالحة بین الطرفین نظرا لما تقتضیه مصلحة الجمیع ". وفی الیوم التالی لوصولی بلغت رسالة " صقر الجزیرة " لبن غوریون.. و " صقر الجزیرة " هو الاسم المتعارف علیه فی ملفات المخابرات البریطانیة. إنه عبد العزیز بن عبد الرحمن آل سعود).. انتهی. مشروع بریطانیا العظیم! قال تشرشل: " أرید أن أری ابن السعود سیدا علی الشرق الأوسط وكبیر كبراء هذا الشرق، علی أن یتفق معكم أولا - یا مستر حاییم - ومتی تم هذا، علیكم أن تأخذوا منه ما تریدون أخذه ".. هذا ما قاله تشرشل. عن مذكرات الدكتور حاییم وایزمن أول رئیس " لدولة إسرائیل " فی فلسطین. وقال: " إنشاء الكیان السعودی هو مشروع بریطانیا الأول.. والمشروع الثانی من بعده إنشاء الكیان الصهیونی بواسطته "!.. هكذا قال (وایزمن) وهو أحد كبار الصهاینة الذین أسسوا الكیان



[ صفحه 69]



الصهیونی فی فلسطین.. ویضیف نقلا عن تشرشل الرئیس الأسبق لبریطانیا، والذی كان له دور أولی بارز فی تكوین الكیان السعودی والكیان الصهیونی: (فی (11 / 3 / 1932) - إبان وداعی للسید جون مارتن سكرتیر تشرشل الذی كان السكرتیر العام للجنة بیل، قال تشرتشل: أرید أن تعلم مكررا - یا وایزمن - أننی وضعت مشروعا لكم وهو لا ینفذ إلا بعد نهایة الحرب " الحرب العالمیة الثانیة " وهذا المشروع هو: أننی أرید أن أری ابن السعود سیدا علی الشرق الأوسط وكبیر كبراء هذا الشرق، علی شرط أن یتفق معكم أولا، ومتی تم هذا المشروع فعلیكم أن تأخذوا منه ما أمكن أخذه ولیس من شك أننا سنساعدكم فی هذا، وعلیك أن تحتفظ بكتمان هذا السر، ولكن انقله إلی روزفلت، ولیس هناك شئ یستحیل تحقیقه حین أعمل لتحقیقه أنا وروزفلت رئیس الولایات المتحدة الأمریكیة)!.. هكذا أسس الإنكلیز (مشروع) العرش السعودی.. كمشروع أولی لإنشاء كیان الیهود وإنشاء الانكلیز لكیان آل سعود هو (مشروع) الیهود رقم (1) كما یقول تشرشل ووایزمن من أجل إقامة (المشروع الیهودی) الثانی.. هذه مشاریع الاستعمار.. عروش یهودیة لحمایة كیانات یهودیة.. وهكذا تستباح أرضنا فی الجزیرة العربیة وفلسطین (ومن لا یملك یعطی من لا یستحق).. وكما بدأ تكوین الیهود لآل سعود " كمشروع أولی " باسم الإسلام والعروبة، استمروا بضحكهم ومهازلهم علی ذقون العرب وفی مؤتمرات القمم لیستروا بها أدوارهم كلما انكشفت بسراویل قبول القرارات.. والصمت یا عرب، الصمت، " فالصامت عن الحق شیطان أخرس، والصامت علی الباطل شیطان أخرس ".. حدیث شریف.



[ صفحه 71]




[1] طه الهاشمي هذا هو الذي أراد الإطاحة بحكومة الملك غازي الأول ملك العراق، وهو الذي أصدر قانون حصر المهن بالعراقيين عليه لعائن الله والملائكة والناس أجمعين - المؤلف -.

[2] تجديد كشف الارتياب ص 385، 286).

[3] تاريخ آل سعود ص 582 (إلي 587).

[4] انظر " أعمدة الاستعمار " لخيري حماد، والرسالة المطولة التي بعثها " الحاج " جون فيلبي مع " الحاج " حسين العويني إلي الملك سعود حينما نفت السعودية جون فيلبي إلي بيروت.. وهددهم فيلبي بكشف آل سعود علي حقيقتهم!.. فأعادوه في حينها، وكذلك محاضرة لجون فيلبي ألقاها في " أمريكان سيتي " المدينة الأمريكية في الظهران بعد عودته من " منافه " في بيروت في (24 / 19554).